دعم سعودي ثابت- حقوق الفلسطينيين في قلب السياسة الخارجية.

المؤلف: محمد الساعد10.13.2025
دعم سعودي ثابت- حقوق الفلسطينيين في قلب السياسة الخارجية.

في عام 1945م، عندما نما إلى علم الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- البيان الصادر عن الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بشأن موقف حكومة الولايات المتحدة من الأحداث الجارية في فلسطين، بادر بإرسال رسالة عاجلة إلى الرئيس روزفلت عبر القائم بأعمال المفوضية الأمريكية في القاهرة. كانت هذه الرسالة بمثابة تعبير صريح عن موقف المملكة العربية السعودية تجاه هذه القضية المحورية، وتأكيدًا على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وقد حملت الرسالة رؤية الملك عبدالعزيز لكيفية إيجاد حل عادل ومنصف لهذه القضية المعقدة، مع التأكيد على ضرورة تمكين الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم كاملة غير منقوصة. ومما جاء في نص الرسالة:

«فخامة الرئيس. لقد تدارسنا باهتمام بالغ ما نُشر من أخبار حول موقف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية المؤيد لليهود في فلسطين. وانطلاقاً من ثقتنا الراسخة في محبتكم للحق والعدل، وإيماننا العميق بتمسك الشعب الأمريكي بالقيم الديموقراطية الأساسية التي تقوم على مساندة الحق والعدل ونجدة الشعوب المستضعفة، ونظرًا للعلاقات الوطيدة التي تربط مملكتنا بحكومة الولايات المتحدة، نود أن نسترعي انتباهكم، يا فخامة الرئيس، إلى قضية العرب في فلسطين وحقوقهم الثابتة والمشروعة فيها».

وتُعدُّ هذه الرسالة التاريخية من بين أطول وأعمق الرسائل السياسية التي تلقاها الرئيس روزفلت على الإطلاق، حيث استعرض فيها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تفاصيل القضية الفلسطينية بكامل أبعادها، مستندًا إلى الحقائق التاريخية والمعلومات الدقيقة والحقوق الثابتة، وكاشفًا عن إدراكه العميق لحساسية وتعقيد هذه القضية المحورية.

ولم تكتفِ المملكة العربية السعودية بإرسال هذه الرسالة التاريخية، بل استمرت على مدى عقود طويلة في دعم ومناصرة حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية كافة، ومكّنتهم من عرض قضيتهم والدفاع عنها بشكل مباشر أمام العالم أجمع. وخير دليل على ذلك هو تنازل المملكة عن مقعدها في الأمم المتحدة لصالح ممثل فلسطين آنذاك، أحمد الشقيري، في فترة كان فيها العالم ينظر إلى ممثلي الفلسطينيين نظرة فيها كثير من التحفظ، بل والاتهام بالإرهاب، إلا أن المملكة العربية السعودية واجهت تلك المواقف بشجاعة وثبات، ومنحت الشقيري جنسيتها السعودية ليتمكن من مخاطبة العالم مباشرة من على أهم منبر دولي، وهو الأمم المتحدة، للدفاع عن قضية شعبه.

وإدراكًا منها لخطورة الوضع وتخوفًا من تلاشي القضية الفلسطينية، سارعت المملكة العربية السعودية إلى إيفاد الأمير بندر بن سلطان، المبعوث السعودي إلى لبنان، برفقة فيليب حبيب، المبعوث الأمريكي، في عام 1982؛ لإنقاذ منظمة التحرير الفلسطينية من مصير محتوم بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وانحياز المنظمة إلى بيروت عقب أسابيع من الحرب الضروس. وقد تضمنت جهود الإنقاذ السعودية إخراج قيادة المنظمة وكوادرها من بيروت سالمين إلى تونس، لكي يتمكنوا من ممارسة العمل السياسي من هناك ومواصلة النضال من أجل القضية الفلسطينية.

هذا التحرك السياسي الحكيم توّجته المملكة العربية السعودية فيما بعد بإقناع الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس رونالد ريغان في عام 1988، بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وعندما أبلغ الملك فهد -رحمه الله-، من خلال مبعوثه الأمير بندر بن سلطان، الرئيس عرفات بهذا الموقف الأمريكي الإيجابي، استقبله عرفات بفرح عظيم ورقص ابتهاجًا، معلنًا أن هذا الاعتراف يمثل بداية الطريق نحو إيجاد حل عادل لقضية شعبه.

لقد كان هذا الاعتراف الأمريكي بمثابة نقطة تحول هامة في مسار القضية الفلسطينية، حيث انتقلت من دائرة الاتهام بالإرهـاب -كما كانت تصنفها الولايات المتحدة والدول الغربية- إلى ساحة العمل السياسي المشروع بهدف الحصول على الحقوق المشروعة، وهو ما تجسد لاحقًا في اتفاق أوسلو التاريخي الذي تم توقيعه في عام 1993.

وفيما يلي نص بيان الرئيس رونالد ريغان بشأن فتح الحوار بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1988:

«أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية، اليوم، بياناً أعلنت فيه قبولها لقراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 ورقم 338، كما اعترفت بحق إسرائيل في الوجود، وأعلنت نبذها للإرهاب.

لقد كانت هذه هي شروطنا التي طالما طالبنا بها لإجراء حوار بناء. واليوم، استجابت المنظمة لهذه الشروط. وبناءً عليه، فقد فوّضتُ وزارة الخارجية بالدخول في حوار جاد مع ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية.

إن على منظمة التحرير الفلسطينية أن تلتزم بكلمتها، وعليها بشكل خاص أن تثبت أن نبذها للإرهاب سيكون شاملاً ودائماً.

إن بدء الحوار بين الولايات المتحدة وممثلي منظمة التحرير الفلسطينية يمثل خطوة هامة في عملية السلام، ويعكس تطوراً جاداً في التفكير الفلسطيني نحو تبني مواقف واقعية وعملية فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية. ومع ذلك، فإن هدف الولايات المتحدة سيظل كما كان دائماً، وهو التوصل إلى سلام شامل وعادل في منطقة الشرق الأوسط.

لذا، فإننا ننظر إلى هذا التطور باعتباره خطوة أخرى نحو بدء مفاوضات مباشرة بين الأطراف المعنية، والتي وحدها يمكن أن تؤدي إلى تحقيق مثل هذا السلام.

إن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل ورفاهيتها يظل ثابتاً وراسخاً. وفي الواقع، فإن أحد الأسباب الرئيسية لدخولنا في هذا الحوار هو مساعدة إسرائيل على تحقيق الاعتراف والأمن اللذين تستحقهما».

واليوم، تجدد المملكة العربية السعودية، من خلال البيان الصادر عن وزارة خارجيتها، التأكيد على الثوابت التي تضمنتها رسائل صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي أطلقها مراراً وتكراراً، وحملت مشروعاً حقيقياً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وأكد عليها سموه بكل وضوح وصراحة لا لبس فيها في خطابيه أمام مجلس الشورى وأثناء رئاسته للقمة العربية الإسلامية المشتركة. إنها نفس الرسائل، ونفس النهج الذي سار عليه المؤسس -رحمه الله-، مروراً بأبنائه الملوك من بعده، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، اللذين أكدا وبشكل قاطع دعمهما المتواصل والمستمر للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة